فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



249 وقوله جل وعز: {لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليكم وما أنزل من قبلك} الراسخ الثابت ومنهم يعني أهل الكتاب.
250 ثم قال جل وعز: {والمقيمين الصلاة} وفيه معنى المدح أي واذكرو المقيمين الصلاة.
251 وقوله جل وعز: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} هذا متصل بقوله: {يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء} فأعلم الله أن أمره كأمر النبيين الذين قبله يوحى إليه كما يوحى إليهم.
252 وقوله جل وعز: {وآتينا داود زبورا} ويقرأ زبورا بضم الزاي قال الكسائي من قرأ زبورا فهو عنده واحد مثل التوراة والانجيل وقال غيره هو فعول بمعنى مفعول كما يقال: حلوب بمعنى محلوب يقال زبرته فهو مزبور أي كتبته وزبور بمعنى مزبور ومن قرأ زبورا فهو عنده جمع زبر.
253 وقوله جل وعز: {وكلم الله موسى تكليما} مؤكد يدل على معنى الكلام المعروف لانك إذا قلت كلمت فلانا جاز أن يكون أوصلت إليه كلامك وإذا قلت كلمته تكليما لم تكن الا من الكلام الذي يعرف فأخبره الله بخصيصاء ولم الانبياء ثم أخبر بما خص به موسى صلى الله عليه وسلم.
254 وقوله جل وعز: {لكن الله يشهد بما أنزل اليك أنزله بعلمه} قال القتبي ولكن لا تكون الا بعد نفي قال فهي محمولة على المعنى لانهم لما كذبوا فقد نفوا فقال جل وعز: {لكن الله يشهد بما أنزل اليك} قال أبو جعفر وهذا غلط لأن لكن عند النحويين إذا كانت بعدها جملة وقعت بعد النفي والايجاب وبعدها هاهنا جملة وانما يقول النحويون لا تكون الا بعد نفي إذا كان بعدها مفرد.
وقوله: {أنزله بعلمه} أي أنزله وفيه علمه كما تقول جاء فلان بالسيف أي وهو معه وكما قال جل وعز: {تنبت بالدهن}.
255 وقوله جل وعز: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون} قال قتادة لن يستنكف لن يحتشم والاستنكاف عند أهل اللغة الانفة وهو من نكف ينكف إذا نحى الدمعة عن خده بيده.
256 وقوله جل وعز: {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم} قال مجاهد حجة وقال سفيان يعني بالبرهان النبي صلى الله عليه وسلم.
257 ثم قال جل وعز: {وأنزلنا اليكم نورا مبينا} قال قتادة هو القرآن وهو عند أهل اللغة تمثيل لأن أصل النور هو الذي يبين الاشياء فمثل ما يعلم بالقلب بما يرى عيانا.
258 وقوله جل وعز: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} الكلالة من لا والد له ولا ولد وقد شرحنا معناه في أول السورة.
قال البراء بن عازب آخر آية نزلت {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة}.
259 وقوله جل وعز: {يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم} قال الكسائي المعنى يبين الله لكم لئلا تضلوا قال أبو عبيد فحدثت الكسائي بحديث رواه ابن عمر عن النبي صلى اله عليه وسلم أنه قال لا يدعون أحدكم على ولده أن يوافق من الله اجابة فاستحسنه.
والمعنى عند أبي عبيد لئلا يوافق من الله اجابة وهذا القول عند البصريين خطأ لا يجيزون اضمار لا والمعنى عندهم يبين الله لكم كراهة أن تضلوا ثم حذف كما قال تعالى: {واسأل القرية} وكذا معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم أي كراهة أن يوافق من الله اجابة وقول ثالث أن المعنى يبين لكم الضلالة لأن معنى أن تفعلوا فعلكم كما تقول يعجبني أن تقوم أي قيامك.
انتهت سورة النساء. اهـ.

.قال الفراء:

ومن سورة النساء:
وقوله تبارك وتعالى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ... (1)}
قال: {واحدة} لأن النفس مؤنثة، فقال: واحدة لتأنيث النفس، وهو يعنى آدم، ولو كانت {من نفس واحد} لكان صوابا، يذهب إلى تذكير الرجل.
وقوله: {وَبَثَّ مِنْهُما} العرب تقول: بثّ اللّه الخلق: أي نشرهم. وقال في موضع آخر: {كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ} ومن العرب من يقول: أبثّ اللّه الخلق.
ويقولون: بثثتك ما في نفسى، وأبثثتك.
وقوله: {الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ} فنصب الأرحام يريد واتقوا الأرحام أن تقطعوها. قال: حدّثنا الفرّاء قال: حدّثنى شريك بن عبد اللّه عن الأعمش عن إبراهيم أنه خفض الأرحام، قال: هو كقولهم: باللّه والرحم وفيه قبح لأن العرب لا تردّ مخفوضا على مخفوض وقد كنى عنه، وقد قال الشاعر في جوازه:
نعلّق في مثل السّوارى سيوفنا ** وما بينها والكعب غوط نفانف

وإنما يجوز هذا في الشعر لضيقه.
وقرأ بعضهم {تَسائَلُونَ بِهِ} يريد: تتساءلون به، فأدغم التاء عند السين.
وقوله: {وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ... (2)}
يقول: لا تأكلوا أموال اليتامى بدل أموالكم، وأموالهم عليكم حرام، وأموالكم حلال.
وقوله: {إِنَّهُ كانَ حُوبًا كَبِيرًا} الحوب: الإثم العظم. ورأيت بنى أسد يقولون الحائب: القاتل، وقد حاب يحوب. وقرأ الحسن {إنه كان حوبا كبيرا}.
وقوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ... (3)}
واليتامى في هذا الموضع أصحاب الأموال، فيقول القائل: ما عدل الكلام من أموال اليتامى إلى النكاح؟ فيقال: إنهم تركوا مخالطة اليتامى تحرّجا، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: فإن كنتم تتحرجون من مؤاكلة اليتامى فاحرجوا من جمعكم بين النساء ثم لا تعدلون بينهن، {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ} يعنى الواحدة إلى الأربع.
فقال تبارك وتعالى: {ما طابَ لَكُمْ} ولم يقل: من طاب. وذلك أنه ذهب إلى الفعل كما قال: {أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} يريد: أو ملك أيمانكم. ولو قيل في هذين (من) كان صوابا، ولكن الوجه ما جاء به الكتاب. وأنت تقول في الكلام: خذ من عبيدى ما شئت، إذا أراد مشيئتك، فإن قلت: من شئت، فمعناه: خذ الذي تشاء.
وأما قوله: {مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ} فإنها حروف لا تجرى. وذلك أنهن مصروفات عن جهاتهنّ ألا ترى أنهنّ للثلاث والثلاثة، وأنهن لا يضفن إلى ما يضاف إليه الثلاثة والثلاث. فكان لا متناعه من الاضافة كأنّ فيه الألف واللام.
وامتنع من الألف واللام لأن فيه تأويل الإضافة كما كان بناء الثلاثة أن تضاف إلى جنسها، فيقال: ثلاث نسوة، وثلاثة رجال. وربما جعلوا مكان ثلاث ورباع مثلث ومربع، فلا يجرى أيضا كما لم يجر ثلاث ورباع لأنه مصروف، فيه من العلّة ما في ثلاث ورباع. ومن جعلها نكرة وذهب بها إلى الأسماء أجراها.
والعرب تقول: ادخلوا ثلاث ثلاث، وثلاثا ثلاثا. وقال الشاعر:
وإنّ الغلام المستهام بذكره ** قتلنا به من بين مثنى وموحد

بأربعة منكم وآخر خامس ** وساد مع الإظلام في رمح معبد

فوجه الكلام ألّا تجرى وأن تجعل معرفة لأنها مصروفة، والمصروف خلقته أن يترك على هيئته، مثل: لكع ولكاع. وكذلك قوله: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ}.
والواحد يقال فيه موحد وأحاد ووحاد، ومثنى وثناء وأنشد بعضهم:
ترى النّعرات الزّرق تحت لبانه ** أحاد ومثنى أصعقتها صواهله

وقوله: {فَواحِدَةً} تنصب على: فإن خفتم ألّا تعدلوا على الأربع في الحبّ والجماع فانكحوا واحدة أو ما ملكت أيمانكم لا وقت عليكم فيه. ولو قال: فواحدة، بالرفع كان كما قال: {فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ} كان صوابا على قولك: فواحدة (مقنع، فواحدة) رضا.
وقوله: {ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا}: ألّا تميلوا. وهو أيضا في كلام العرب: قد عال يعول. وفى قراءة عبد اللّه: {ولا يعل أن يأتينى بهم جميعا} كأنه في المعنى: ولا يشقّ عليه أن يأتينى بهم جميعا. والفقر يقال منه عال يعيل عيلة وقال الشاعر:
ولا يدرى الفقير متى غناه ** ولا يدرى الغنىّ متى يعيل

وقوله: {وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً (4)} يعنى أولياء النساء لا الأزواج: وذلك أنهم كانوا في الجاهلية لا يعطون النساء من مهورهن شيئا، فأنزل اللّه تعالى: أعطوهن صدقاتهن نحلة، يقول: هبة وعطية.
وقوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا}. ولم يقل طبن. وذلك أن المعنى- واللّه أعلم-: فإن طابت أنفسهن لكم عن شىء. فنقل الفعل من الأنفس إليهن فخرجت النفس مفسّرة كما قالوا: أنت حسن وجها، والفعل في الأصل للوجه، فلمّا حوّل إلى صاحب الوجه خرج الوجه مفسّرا لموقع الفعل. ولذلك وحّد النفس. ولو جمعت لكان صوابا ومثله ضاق به ذراعى، ثم تحول الفعل من الذراع إليك: فتقول قررت به عينا. قال اللّه تبارك وتعالى: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا}. وقال: {سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} وقال الشاعر:
إذا التّيّاز ذو العضلات قلنا ** إليك إليك ضاق بها ذراعا

وإنما قيل: ذرعا وذراعا لأن المصدر والاسم في هذا الموضع يدلّان على معنى واحد، فلذلك كفى المصدر من الاسم.
وقوله: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ... (5)}
السفهاء: النساء والصبيان الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيامًا يقول التي بها تقومون قواما وقياما. وقرأ نافع المدني {قيما} والمعنى- واللّه أعلم- واحد.
والعرب تقول في جمع النساء (اللاتي) أكثر مما يقولون (التي)، ويقولون (التي)، ويقولون في جمع الأموال وسائر الأشياء سوى النساء (التي) أكثر مما يقولون فيه (اللاتي).
وقوله: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا (6)}
يريد: فإن وجدتم. وفى قراءة عبد اللّه: {فإن أحستم منهم رشدا}.
{فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ} يعنى الأوصياء واليتامى.
وقوله: {وَبِدارًا أَنْ يَكْبَرُوا} {أن} في موضع نصب. يقول: لا تبادروا كبرهم.
وقوله: {فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} هذا الوصىّ. يقول: يأكل قرضا.
وقوله: {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ (7)} ثم قال اللّه تبارك وتعالى: {نَصِيبًا مَفْرُوضًا}. وإنما نصب النصيب المفروض وهو نعت للنكرة لأنه أخرجه مخرج المصدر. ولو كان اسما صحيحا لم ينصب. ولكنه بمنزلة قولك: لك علىّ حقّ حقّا، ولا تقول: لك على حقّ درهما. ومثله عندى درهمان هبة مقبوضة. فالمفروض في هذا الموضع بمنزلة قولك: فريضة وفرضا.
وقوله: {يُورَثُ كَلالَةً (12)} الكلالة: ما خلا الولد والوالد.
وقوله: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} ولم يقل: ولهما وهذا جائز إذا جاء حرفان في معنى واحد بأو أسندت التفسير إلى أيّهما شئت. وإن شئت ذكرتهما فيه جميعا تقول في الكلام: من كان له أخ أو أخت فليصله، تذهب إلى الأخ وفليصلها، تذهب إلى الأخت. وإن قلت (فليصلهما) فذلك جائز.
وفى قراءتنا: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما} وفى إحدى القراءتين فاللّه أولى بهم ذهب إلى الجماع لأنهما اثنان غير موقّتين. وفى قراءة عبد اللّه {والذين يفعلون منكم فآذوهما} فذهب إلى الجمع لأنهما اثنان غير موقتين، وكذلك في قراءته: {والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما}.
وقوله: {غَيْرَ مُضَارٍّ} يقول: يوصى بذلك غير مضارّ.
ونصب قوله وصية من قوله: {فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ... وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} مثل قولك: لك درهمان نفقة إلى أهلك، وهو مثل قوله: {نَصِيبًا مَفْرُوضًا}.